المحيط العربي يمتلئ بالغثاء، ويسبب الصداع. بالنظر إليه يصاب المرء بالاشمئزاز.

العراق دولة الطائفية تسيطر على ركائزها الوطنية. وسوريا لها الله. واليمن مُختطفة عبر ميليشا عميلة بلا قيمة إنسانية ولا أخلاقية، من قبل دولة خارجية مقيتة. وكل ذلك في كفّة، ولبنان في أخرى. وهذه قصتي اليوم.

في حقيقة الأمر، ثمة ما يستدعي النظر إلى لبنان بعينٍ أخرى، المهم أن تكون تلك «العين»، تستطيع قراءة المشهد كما هو، وتسمية الأمور بمسمياتها. فلبنان دولة ليست مُختطفة، حاشا لله. لكنها مسلوبة الإرادة، وفي رواية «الإدارة»، من النواحي السياسية، والشعبية على حدٍ سواء.

وتلك الإرادة و«الإدارة» المسلوبة في لبنان على الصعيدين الرسمي والاجتماعي، تُعاني من أوهام، يستغلها السياسيون خير استغلال، ولي كثير من الأسباب التي دفعتني لهذا القول، ومن خلالها سأضع رؤيتي لهذه الدولة.

إذ يعتقد كثير من اللبنانيين أن حلولهم السياسية لا بد لها أن تأتي من الخارج، وهذا غير صحيح. وإن صح ذلك، فهو يُبطن أنها دولة بلا قيم سياسية ومعنوية وأخلاقية وتاريخية، وأن الأمر الذي جرّد الدولة من كل تلك العوامل، يكمن في زهد ثمن ساسة لبنان، ولا بد أن أستثني منهم من يملكون الصفة التاريخية العريقة، النابعة من الجذور العربية الأصيلة.

أعرف تلك الأسر بيتًا، بيتًا. دفعني قدري المحتوم خلال سنواتٍ مضت، من خلال عملي صحافيًا ومديرًا لتحرير الشؤون السياسية في هذه الصحيفة، لأن أختلط بالبعض منهم، مع الوقت تحولوا إلى أصدقاء،وفي الحديث بين الأصدقاء، ما لا يُمكن أن يُقال في العلن، وأمام الجميع.

قال لي يومًا أمين الجميل، رئيس الجمهورية اللبنانية منذ الفترة 1982 وحتى 1988، إنه يعود إلى قبيلة شمر العريقة، وإن جذوره تنحدر من حائل. وهذا سبق أن كتبته هنا. وهي رسالة أراد الجميل تمريرها للمجتمع اللبناني قبل غيره، مفادها «احترموا جذورنا لنحترم رغباتكم».

وأذكر أن رئيس الوزراء السابق تمام سلام، قال خلال لقائي به في منزله بـ«المصيطبة» – إحدى المناطق البيروتية التي تسيطر عليها حركة أمل الشيعية التي يتزعمها نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992 – ألا خيار للدولة إن أرادت الاستفاقة، إلا العودة لمحيطها العربي، سياسيًا وشعبيًا.

وحتى زعيم الطائفة الدرزية في لبنان وليد جنبلاط، لم يبتعد عن ذلك، إذ أكد في حديثٍ أجريته معه في هذه الصحيفة عام 2013، أن «الرياض أكبر من ضعيفي الذاكرة». وفي حديث وليد بيك آنذاك، إشارة لعودة الجميع للمحيط العربي، الذي تمثل المملكة رمزيته ومرجعيته الكبرى.

سمير جعجع أيضًا كان له رأي مقارب في حديث آخر، أذكر من ذلك اللقاء أنه كان رافضًا للتوسع الإيراني في لبنان، على حساب الابتعاد عن المحيط العربي.

أتصور أن الجميع يصر على العودة للمحيط العربي من باب الارتياح الذي تعيشه الدولة على كافة الأصعدة، إذا استعاد رُبانها بوصلتها.

وما أريد قوله أيضًا أنه من خلال كل ما سبق ينكشف أن هناك إشارات واضحة على رفض الانتماءات التي خرجت عن النص، على رأسها تلك التي يجسدها بالدرجة الأولى ميليشيا حزب الله، وهو الذي قال زعيمه يومًا ما، إنه يمثل استمرارًا لرسالة صاحب الزمان والمكان في طهران، عبر لبنان. ويقصد بالطبع الخميني، الذي اشترى وقتها حسن نصرالله بلا ثمن كونه كان معجبًا بتلك المسيرة المتطرفة، حتى تحولت الدولة عن بكرة أبيها تحت سيطرته، وامتثلت من باب الخوف؛ للسلاح الإيراني.

ومن هنا سأعود لفكرة اعتقاد البعض من اللبنانيين أن حلولهم السياسية بالضرورة أن تكون من الخارج، وأخلص إلى القول إنه إذا كانت حلول تلك الدولة ستأتي من الخارج، فذلك يُفسر أنها لا تستحق ذلك المعنى والمفهوم. أقصد مفهوم الدولة. وإن كان كذلك، فساستها هم السبب، ممن وضعوا الدولة كممر لتصفية الحسابات الإقليمية. وإلا، ماذا يعني تملك ميليشيا حزب الله لسلاح يفوق سلاح الجيش!

كل ذلك، يقودني للتعبير عن الثقة بأن شريحة من المجتمع اللبناني تُعول على تدخل السعودية في شأنها السياسي. وهذا غير مُتاح على الأقل في هذا الوقت؛ وذلك له عدة مبررات. أهمها، أن المملكة لم تعد تنظر وفق سياستها الحديثة، للبنان بمنظور الدولة المهمة، التي يمكن التعويل عليها في موازين القوى الإقليمية، وهي – أي السعودية – قد منحت العديد من الفرص، التي قوبلت بالنكران والجحود. فهذا أمر أجزم أن صانع القرار السياسي السعودي قد تجاوزه ووضعه خلف ظهره. ناهيك عن انشغال المملكة بتنميتها الداخلية وهذا أهم من كل شيء.

إن ما يجب على المجتمع اللبناني الكريم بكل أطرافه، المسلمة «سنةً وشيعةً» ومسيحيين، ودروزًا، النظر بكل جدية ما من شأنه إحداث التغيير على شكل دولتهم، التي يتحكم بها زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل بغطاءٍ سياسي مُسلّح من حسن نصر الله زعيم الإرهاب في لبنان، ويسوّق لفكرة الحلول الخارجية، وهو – أقصد باسيل – يُحارب أيًا من الحلول الداخلية، كمواجهته فرصة وصول أي شخص لقصر بعبدا ليكون وجهًا رسميًا للدولة، على حساب رغبته في بلوغ رئاسة الجمهورية بدعمٍ من الخارج، خلفًا لصهره ميشال عون.

يفترض أن يكون لهم رأي؛ في الحرب الشعواء ضد من يملك الفرص الرئاسية.

عليهم النظر لباسيل كيف انتهج شيطنة سليمان فرنجية زعيم تيار المردة وسليل البيت السياسي العريق.

وسيفهمون ما أقول، وإن أرادوا.. لن يفهموا. ولينتظروا..قصة غرام الأفاعي.

مع السلامة.