التعلم التنظيمي، كما عرفه هيربرت سيمون في عام 1969، هو مجموعة من العمليات التي تسعى المؤسسات والشركات من خلالها الى اكتساب معارف وطرق جديدة تؤدي إلى تطوير قدراتها التنظيمية، وتحسين أداء موظفيها، ورفع مؤشرات الأداء والإنتاجية، والتعلم التنظيمي هو الوسيلة التي يتم من خلالها إحداث التغيير المخطط في المؤسسات.

ويشمل التعلم التنظيمي التغيير الإدراكي، والتغيير السلوكي بهدف التحسين الجماعي والمؤسسي، وليس الفردي فقط، إن جوهر التعلم التنظيمي يكمن في التعلم من الأخطاء والتحديات والأحداث وشيكة الحدوث، وأن هذا النوع من التعلم هو الأساس الآمن للمنظمات والمؤسسات.

وصنف بيتر سينج التعلم إلى ثلاث فئات، تعلم فردي وجماعي وتنظيمي، ويرى أن النوع الأخير يتم من خلال تبادل الخبرات والمعرفة، بغض النظر عن المستويات الوظيفية للعاملين، ويتم التعلم التنظيمي بطريقتين، إما باكتشاف الأخطاء ومعالجتها أو بالتساؤل والتمحيص عن الأشياء التي قد تسبب الفشل، ومن ثم العمل على إيجاد الحلول قبل وقوع الأخطاء، وهنا يطلق على المنظمة «المنظمة المتعلمة».

والمنظمات المتعلمة هي التي يسعى أفرادها باستمرار إلى تنمية قدراتهم على تحقيق النتائج، وتتوافر في هذه المنظمات أنماط من السلوك يؤدي إلى أداء أفضل وأساليب عمل جديدة وأنماط عمل متطورة، وتظل هذه المنظمات في عملية استجابة مستمرة للظروف المحيطة، وفي هذه المنظمات ليس أمام الفرد إلا أن يتعلم، وتتميز المنظمات المتعلمة بالعمل وفق أنماط ذهنية، ونماذج فكرية غير تقليدية، كما تتميز بالرؤية المشتركة والعمل الجماعي والبراعة الذاتية للأفراد والاهتمام بالتعلم التكنولوجي.

وكي تصل المنظمات والمؤسسات إلى مرحلة «المنظمة المتعلمة» يجب أن تتوافر قيادات فاعلة تسعى إلى تشجيع التعلم بين أفرادها، كما تعمل على إنشاء بيئة مرنة يبحث فيها العاملون عن الأفكار الإبداعية، ويتبادلونها مع الانفتاح على التغيير ونهج أسلوب اللامركزية في صنع القرار والتمكين الإداري للعاملين، وقدرتهم على تحمل أخطائهم والتعلم منها، وهذا يؤدي تدريجيًا إلى اكتساب أنماط جديدة من السلوك الوظيفي.

ومن أكبر التحديات التي تواجهها المنظمات والمؤسسات وتجعلها غير قادرة على التعلم هو غياب الوعي بحجم الأخطاء الفعلية والوشيكة، التي تحدث بشكل يومي، مع عدم السعي إلى معرفة الأسباب الجذرية لهذه الأخطاء، وبالتالي عدم التحسين.

وكي تتحول المؤسسات الحالية إلى مؤسسات تعليمية فلا بد من تنمية العمل الجماعي وفرق العمل الفاعلة كأساس في جميع أعمال وأنشطة المنظمة، وكذلك نهج الشفافية والانفتاح الإداري، والتخلي عن احتكار المعلومات مع نهج حرية التعبير عن الآراء والأفكار وتأسيس ثقافة تنظيمية داعمة للتعلم من خلال تشجيع العاملين على التطوير الذاتي والتنافس بينهم.

كذلك يتطلب الوضع تأسيس التفكير الإبداعي في جميع قضايا العمل مع تهيئة بيئة العمل لتكون بيئة خصبة للتعلم وتبادل الأفكار، ونقطة البداية في التحول إلى مؤسسة متعلمة تكون من خلال التبليغ عن كل الأخطاء التي حدثت أو كانت على وشك الحدوث كأساس للتعلم التنظيمي، مع أهمية تحسين التواصل بين العاملين للتعبير عن مخاوفهم وأفكارهم وتطلعاتهم.