يشعر الكثير من القرّاء والمتابعين لأسواق الطاقة والأعمال وكذلك مرتادي سوق الأسهم بالملل من كثرة تداول الأفكار المغلوطة حول سرعة عودة الاقتصادات وتعافيها من آثار جائحة كورونا. بل إن بعضًا من أصدقائي صارحني أنه عندما يقرأ كلمة (كورونا) فإنه يقوم بالتوقف عن القراءة، وليته لا يفعل هذا مع مقالي اليوم على الأقل.

في الحقيقة لا بد أن يعترف الجميع أن جائحة كورونا هي أكبر هزة واجهت اقتصادات العالم بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك من الطبيعي جدًا أن يكثر الحديث والوعد والأمل حول استفاقة العالم من هذا الكرب والعودة لممارسة الأعمال بشكل يشبه عالم ما قبل كورونا.

ما يهم القارئ الرشيد هو أن يعرف أن محرك الاقتصاد العالمي حاليًا هو الطاقة، على الأقل حتى العام 2050 كما أراهن عليه أنا ويراهن عليه الخبراء والمتابعون. فبوجود الطاقة ستتمكن دول مثل دول إفريقيا من ضخ المياه إلى المزارع والمصانع والمعامل والمساكن وستزدهر الحياة ويمكن للمجتمع الرخاء والاستقرار. ستتمكن دولة مثل موزمبيق والتي تعد الأفقر في العالم من مضاعفة إجمالي ناتجها المحلي في عام واحد فقط.

خلال الأسبوع الماضي أطلق البيت الأبيض والرئيس الأمريكي مجموعة من التصريحات التي تطلب من منظمة أوبك بلص زيادة إنتاج النفط والغاز لتلافي مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة وكندا، في الوقت الذي أصبحت فيه أسعار الغازولين مشكلة سياسية تواجه إدارة بايدن بعد أن قفزت بمعدل 30% منذ توليه الرئاسة إلى حدود 3.25 دولارات للجالون، بعد أن انخفضت إلى متوسط 2.2 دولار للجالون خلال فترة ترمب الرئاسية التي تلت زيادات فترة باراك أوباما. وهو ما يعني في نظر الأمريكيين ارتباط الحزب الديمقراطي بزيادة أسعار الوقود والنفط.

في مجال الطاقة، تواجه الولايات المتحدة الأمريكية مشكلتين حاليًا هما: مشكلة الحاجة للطاقة ومشكلة مواجهة التغير المناخي. والمشكلة الأولى تعنى بضمان توفير الاحتياجات النفطية لأمريكا بمعدل 20 مليون برميل يوميًا، واستدامة إنتاجها عند حدود 12 مليون برميل يوميًا واستيراد الثمانية ملايين المتبقية، ما يعني أن أي انخفاض في الإنتاج ستقابله زيادة في الاستيراد وبمعنى آخر سحب من المخزونات النفطية وطلب شراء كميات إضافية من النفط.

أما المشكلة الثانية فهي القوانين التي وضعتها إدارة بايدن لمواجهة مشكلة التغير المناخي التي أصبحت هي (عذر البليد) كما يقال. ورغم أن مشكلة انبعاثات الكربون هي مشكلة حقيقية إلا أن العالم الغربي ضخّمها بشكل غير معقول رغبة منه في تحقيق أكبر عائد من المكاسب السياسية، وكما شرحت في مقالات سابقة فإن العالم من شبه المستحيل أن يصل إلى ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية خلال هذا القرن حتى لو ضاعفت الصين والولايات المتحدة الأمريكية انبعاثاتها للكربون. لكن ما يؤدي إلى تغير مناخ أوروبا هي سلوكيات أوروبية بحتة أهمها تدمير الغابات من أجل استخدام الأخشاب وتصديرها كما جاء في تقرير منظمة فاو في 2019.

وفي هذا السياق، كتب رئيس معهد الطاقة الأمريكي مايك سومر متعجبًا من تصرفات بايدن قائلاً: «تم تجميد تصريح مشاريع النفط والغاز في أمريكا، تم إيقاف أكبر مشروع لخطوط أنابيب النفط والغاز بين أمريكا وكندا، تم اقتراح فرض ضرائب على صناعة النفط والغاز، هذه القوانين أضعفت أمريكا وتعرض قطاع الطاقة الأمريكي للخطر». ولعل ما دعا السيد مايك سومر لنشر هذا الامتعاض عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو التناقض الصريح الذي تمارسه إدارة بايدن تجاه هذه المشكلة وهي مشكلة التغير المناخي من خلال غض النظر المتعمّد عن إنتاج وتصدير الفحم الحجري، وهو الذي يعتبر مسؤولاً عن 50% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون مقارنة بـ20% من قطاع النفط والغاز، حيث إن الصادرات الأمريكية من الفحم الحجري تضاعفت 30 مرة إلى 5 ملايين طن إلى الصين فقط خلال العام الجاري بعد استلام بايدن مقاليد الأمور في أمريكا.

دعونا الآن نقف لنتأمل الوضع العالمي من ناحية تجاذبات القوة والنفوذ. في حين أن الصين تمثل أكبر اقتصادات العالم في 2020 بمحاذاة أمريكا، إلا أن وضعها باتجاه النمو في مجال الطاقة أفضل بكثير من الولايات المتحدة التي تتكلف ميزانيتها إنفاقات باهظة على مجال التسليح وتعظيم قواتها البحرية والفضائية. إذن من المهم للولايات المتحدة ألا تعبث مع مصادر الطاقة، فهي قد تعطي الأفضلية لمنافستها الصين في أي فترة للقفز مراحل شاسعة علاوة على ما توليه الصين من أبحاث في مجال تخزين الطاقة.

وبعيدًا عن الشعارات (البايدنية) فإنه وبحسب مركز أبحاث النفط والغاز (قلوبال داتا) فإن العالم سيضخ خلال السنوات الخمس القادمة 300 مليون طن متري من الغاز الطبيعي 60% منها في أمريكا وكندا، وهي مشاريع تحت الإنشاء حاليًا وقد سبقت قوانين بايدن السابقة. ما يعني أن صناعة النفط والبتروكيماويات العالمية هي الآن في عقد الازدهار الأكمل، وسرعان ما سترمى قوانين بايدن ذات الطابع السياسي الممجوج إلى طي النسيان حين يتولى البيت الأبيض رجل جمهوري عتيد سيعيد لصناعة النفط الأمريكي اعتزازها.